responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 285
الصَّالِحِينَ الْمُصْلِحِينَ، وَلَعَلَّ الْمُنَافِقِينَ قَدْ أَخَذُوا مِنْ ضُرُوبِ الْإِفْسَادِ بِالْجَمِيعِ، فَلِذَلِكَ حُذِفَ مُتَعَلِّقُ تُفْسِدُوا تَأْكِيدًا لِلْعُمُومِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ وُقُوعِ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ.
وَذِكْرُ الْمَحَلِّ الَّذِي أَفْسَدُوا مَا يَحْتَوِي عَلَيْهِ- وَهُوَ الْأَرْضُ- لِتَفْظِيعِ فَسَادِهِمْ بِأَنَّهُ مَبْثُوثٌ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ لِأَنَّ وُقُوعَهُ فِي رُقْعَةٍ مِنْهَا تَشْوِيهٌ لِمَجْمُوعِهَا. وَالْمُرَادُ بِالْأَرْضِ هَذِهِ الْكُرَةُ الْأَرْضِيَّةُ بِمَا تَحْتَوِي عَلَيْهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْقَابِلَةِ لِلْإِفْسَادِ مِنَ النَّاسِ وَالْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَسَائِرِ الْأَنْظِمَةِ وَالنَّوَامِيسِ الَّتِي وَضَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهَا، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسادَ [الْبَقَرَة: 200] .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ جَوَابٌ بِالنَّقْضِ فَإِنَّ الْإِصْلَاحَ ضِدُّ الْإِفْسَادِ، أَيْ جَعْلِ الشَّيْءِ صَالِحًا، وَالصَّلَاحُ ضِدُّ الْفَسَادِ يُقَالُ صَلَحَ بَعْدَ أَنْ كَانَ فَاسِدًا وَيُقَالُ صَلَحَ بِمَعْنَى وُجِدَ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ صَالِحًا فَهُوَ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ كَمَا قُلْنَا.
وَجَاءُوا بِإِنَّمَا الْمُفِيدَةِ لِلْقَصْرِ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ وَالتَّفْسِيرِ وَلَا اعْتِدَادَ بِمُخَالِفِهِ شُذُوذًا فِي ذَلِكَ. وَأَفَادَ إِنَّما هُنَا قَصْرَ الْمَوْصُوفِ عَلَى الصِّفَةِ رَدًّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا، لِأَنَّ الْقَائِلَ أَثْبَتَ لَهُمْ وَصْفَ الْفَسَادِ إِمَّا بِاعْتِقَادِ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنَ الصَّلَاحِ فِي شَيْءٍ أَوْ بِاعْتِقَادِ أَنَّهُمْ قَدْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَفَاسِدًا، فَرَدُّوا عَلَيْهِمْ بِقَصْرِ الْقَلْبِ، وَلَيْسَ هُوَ قَصْرًا حَقِيقِيًّا لِأَنَّ قَصْرَ الْمَوْصُوفِ عَلَى الصِّفَةِ لَا يَكُونُ حَقِيقِيًّا وَلِأَنَّ حَرْفَ إِنَّمَا يَخْتَصُّ بِقَصْرِ الْقَلْبِ كَمَا فِي «دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ» ، وَاخْتِيرَ فِي كَلَامِهِمْ حَرْفُ (إِنَّمَا) لِأَنَّهُ يُخَاطَبُ بِهِ مُخَاطَبٌ مُصِرٌّ عَلَى الْخَطَأِ كَمَا فِي «دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ» وَجُعِلَتْ جُمْلَةُ الْقَصْرِ اسْمِيَّةً لِتُفِيدَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا اتِّصَافَهُمْ بِالْإِصْلَاحِ أَمْرًا ثَابِتًا دَائِمًا، إِذْ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ إِفَادَة الدّوام.
[12]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 12]
أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)
رَدٌّ عَلَيْهِمْ فِي غُرُورِهِمْ وَحَصْرِهِمْ أَنْفُسَهُمْ فِي الصَّلَاحِ فَرَدَّ عَلَيْهِمْ بِطَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْقَصْرِ هُوَ أَبْلَغُ فِيهِ مِنَ الطَّرِيقِ الَّذِي قَالُوهُ لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْمُسْنَدِ يُفِيدُ قَصْرَ الْمُسْنَدِ عَلَى الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ فَيُفِيدُ قَوْلُهُ: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ قَصْرَ الْإِفْسَادِ عَلَيْهِمْ بِحَيْثُ لَا يُوجَدُ فِي
غَيْرِهِمْ وَذَلِكَ يَنْفِي حَصْرَهُمْ أَنْفُسَهُمْ فِي الْإِصْلَاحِ وَيَنْقُضُهُ وَهُوَ جَارٍ عَلَى قَانُونِ النَّقْضِ وَعَلَى أُسْلُوبِ الْقَصْرِ الْحَاصِلِ بِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ وَإِنْ كَانَ الرَّدُّ قَدْ يَكْفِي فِيهِ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُمْ مُفْسِدُونَ بِدُونِ صِيغَةِ قَصْرٍ، إِلَّا أَنَّهُ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 285
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست